قوله: [فمن شعر أمية بن أبي الصلت] يستشهد المصنف على معنى العرش في اللغة، وأن العرب كانوا يؤمنون به في الجاهلية؛ بشعر أمية الذي كان من أهل الكتاب ولديه علم من الكتاب فيقول:
[مجدوا الله فهو للمجد أهل            ربنا في السماء أمسى كَبِيرا
بالبناء العالي الذي بهر الناس            وسوى فوق السماء سَرِيرا
شَرْجَعَاً لا يناله بصر العـ            ـين تُرَى حوله الملائِك صُورا
الصور هنا: جمع أصور: وهو المائل العنق لنظره إلى العلو.
والشرجع: هو العالي المنيف.
والسرير: هو العرش في اللغة].
أمية بن أبي الصلت شاعر جاهلي له أشعار كثيرة تدل على علمه بما في الكتب السابقة، وفي شعره شيء من الحق؛ لأن ما عند أهل الكتاب فيه حق وفيه باطل، لكن من جهة اللغة لا شك أنه يحتج به، إذ هو شاعر عربي، والنصارى يعظمون الله تعالى بصفة المجد كما يقولون: إن الملائكة قالوا حين ولد عيسى عليه السلام: (المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة) ولو تتبعت إذاعة الإنجيل لوجدتم العبارات تدور حول المجد لا الحمد، وعلى وصف الله بالربوبية لا على وصفه بالألوهية، فنحن نقول: الحمد لله وهم يقولون: مجدوا الرب أو المجد للرب؛ فأكثر ما يصفون الله به بأنه (الرب) وهو رب العالمين لا شك في ذلك؛ لكن نحن نصفه بالألوهية.
وأقول هذا الكلام؛ لأنه لوحظ أن كثيراً من وسائل الإعلام وغيرها تطلق عبارات من كلام النصارى، وأهل الكتاب، ولا يستشعرون الدلالات الحقيقية لها وإنما يقولونها على سبيل التبعية، ومن ذلك النشيد الذي يردده الطلاب في الصباح كل يوم: "مجدي لخالق السماء" فإننا نجد هذه اللمسة، وهي التأثر بالأشعار وبالأناشيد الدينية النصرانية، والمقصود أنهم يذكرون الله بالتمجيد وبالمجد وليس بالحمد، وهذا خلاف ما هو شعار هذه الأمة المحمدية الحمادة.
يقول:
مجدوا الله فهو للمجد أهل            ربنا في السماء أمسى كبيرا
وهذه عبارات نصرانية واضحة، وقد أثبت أمية أن الله تعالى في السماء، كما هو مستقر في الفطر جميعها؛ من غير أن يرد النقل أو تنزل الكتب لتثبت ذلك، لأن الإنسان يعلم بفطرته أن الله تعالى حق، وأنه هو وحده خالق هذا الوجود، وأنه في جهة العلو، وأنه في السماء.
يقول:
بالبناء العالي الذي بهر النا            س وسوى فوق السماء سريرا
شرجعاً لا يناله بصر العيـ            ـن ترى حوله الملائك صورا
وصف السرير الذي هو العرش بأنه شرجع أي: طويل لا يناله بصر العين.
وقوله: "ترى حوله الملائك صورا" أي: أنك لو نظرت ترى حوله الملائكة مائلين بأعناقهم ينظرون إليه وأمية هذا له شعر آخر يثبت فيه صفة العلو لله تعالى، ويثبت العرش، يقول فيها:
رجل وليث تحت رِجل يمينه            والنسر للأخرى وليث مرصد
رواه أحمد في المسند، وقال ابن كثير: إسناده جيد، لكن ينبغي التأكد من صحته.